صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة العشرون: الصراط المستقیم

تاریخ: 
چهارشنبه, 10 شهريور, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 1 أیلول 2010م الموافق للیلة الثانیة والعشرین من شهر رمضان المبارك من العام 1431ﻫ، نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الصراط المستقیم

وصلنا فی شرحنا للخطبة المباركة لسیّدتنا الزهراء (سلام الله علیها) إلى المقطع الذی مفاده أنّه عندما بعث الله النبیّ الأعظم (صلّى الله علیه وآله) بالرسالة وجد (صلّى الله علیه وآله) الناس متفرّقین فی أدیان ومذاهب شتّى انحرفت جمیعها بشكل أو بآخرـ عن جادّة الحقّ. ومن الملاحظات التی یمكن استنتاجها من هذا البیان هی أوّلاً: إنّ ما كان یشغل نبیّ الإسلام (صلّى الله علیه وآله) بالدرجة الاولى هی مسألة الدین أمّا المسائل الاُخرى، التی هی أعمّ من المشاكل الاجتماعیّة والاقتصادیّة، فكانت تأتی فی الدرجة الثانیة؛ أی إنّ ما یتعیّن الالتفات إلیه فی المرحلة الاولى هو أن یدین الإنسان بدین صحیح. ومن بین الأقسام المختلفة للدین أكّدت فاطمة الزهراء (علیها السلام) على قضیّة «عبادة الله»، فالانحراف الخطیر الذی كان مستفحلاً فی ذلك العصر هو انحراف الناس عن المسیر الصحیح لعبادة الله الواحد. والقرآن الكریم أیضاً یقول فی هذا الصدد: «وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ»1.
ثانیاً: كانت رسالة النبیّ (صلّى الله علیه وآله) تتلخّص فی تعلیم الناس طریق العبودیّة الصحیحة التی بیّنها الدین الإسلامیّ الحنیف والقرآن الكریم الأمر الذی یقود إلى انقشاع الظلمات وانواع الابهام وأشكال الضلالة عن المجتمع البشریّ. وهذا یعنی أنّ الطریق الصحیحة الوحیدة هی طریق أنبیاء الله (علیهم السلام) التی بُیّنت بشكلها الكامل بواسطة نبیّ الإسلام (صلّى الله علیه وآله). فهذه السبیل هی وحدها التی تمثّل الصراط المستقیم وكلّ ما سواها، حتّى وإن كان تحت شعار اتّباع نبیّ آخر، فلا قیمة له وهو لا یؤمّن للبشریّة أیّ شكل من أشكال السعادة؛ ومن هنا فهی (سلام الله علیها) تُنهی هذا المقطع بعبارة: «دعاهم إلى الصراط المستقیم». ونقدّم هنا توضیحاً لهذین المبحثین:

أوّل ما یحتاجه البشر هو معرفة الدین الحقّ

إنّ ما یتصدّر لائحة متطلّبات البشر فی الأهمّیة بغیة بلوغ السعادة هو معرفة الدین الحقّ الذی أساسه عبادة الله الواحد. فعبادة الله وحده هی القضیّة التی قد حازت أهمّیة بالغة لدى جمیع الأنبیاء وهی ما وضعه الله تعالى فی نظر الاعتبار لدى وضعه خطّة الخلقة، وقد بعث من أجلها الأنبیاء؛ لأنّ هذا الأمر یشكّل محور سعادة الإنسان، وإنّ توفّره هو الذی یمكّن الإنسان من بلوغ الهدف الذی خُلق من أجله.
بید أنّ هناك آراء مغایرة فی هذا المجال. فالبعض یعتقد: «أنّه صحیح أنّ الدین ضروریّ للبشر وأنّ الله قد بعث الأنبیاء أیضاً؛ غیر أنّ التوحید لم یكن هو الأصل فی دعوة الأنبیاء؛ بل إنّ أساس الدین هو أن یأتی الإنسان بالصالحات، وما الاعتقاد بالله الواحد إلاّ وسیلة لتعرّف الإنسان على السبیل القویم والعمل بموجبه. إذ لیس الهدف من عبادة الله الواحد هو الركوع والسجود وتحمّل ألم الجوع لفترة معیّنة؛ فأساس القضیّة هو أنّه من أجل أن یصل البشر إلى السعادة یتعین علیهم أن یكونوا صالحین ویجتنبوا الظلم والكذب والخیانة!».
هذا النمط من التفكیر متَفَشّ لدى الكثیر من الناس وحتّى بین صفوف المسلمین. وقد یخال المرء لأوّل وهلة أنّ هذا الاتّجاه الفكریّ لا یعدو كونه فكرة بسیطة من أفكار العوامّ؛ غیر أنّ هذه المسألة مطروحة فی المحافل الفلسفیّة والعلمیّة العالمیّة وهی تتلخّص فی أنّه: هل یمكن أساساً التحلّی بالأخلاق بعیداً عن الاعتقاد بالله وبمعزل عن الدین؟ منذ قرون بعیدة وكبار الفلاسفة الاوربّیین یبحثون فی هذا الموضوع.
حقیقةً ما هو الجواب على هذه المسألة؟ هل الاعتقاد بالله الواحد هو أصل فی الحقیقة، أم إنّه مجرّد وسیلة وأنّ المهمّ هو أن یكون سلوك الإنسان حسناً؟ وهذه المسألة ترتبط بمسألة أكثر جوهریّة؛ فالقائلون بإمكانیّة التحلّی بالأخلاق من دون دین هم غالباً ما یفتّشون عن الجانب التطبیقیّ للأخلاق ونتائجه فی هذه الدنیا؛ أی إنّ سعیهم یتّجه نحو الراحة والدعة فی الحیاة الدنیا، وإذا اتّسمت نظرتهم إلى الأخلاق بالحسن فذلك لإحساسهم بأنّ البشر إذا أصبحوا بأجمعهم صادقین ولم یخن أحدهم الآخر فسینعمون بحیاة هانئة ورغیدة، ففی هذه الحالة لن تكون هناك أی مشكلة حتّى مع انعدام الاعتقاد بالله. لكنّه عندما تأخذ رؤیتنا واعتقادنا وجهة اُخرى وهی أنّ الأساس فی هذه الحیاة هو أن یهیّئ المرء زاداً ومتاعاً لسفر الحیاة الأبدیّة فإنّنا سنفهم حینها أنّ مجرّد مراعاة الأخلاق الاجتماعیّة لن یقدّم حلاً لهذه القضیّة. فعلى فرض أنّ الإنسان بإمكانه أن یكون خلوقاً من دون أن یعتقد بالله تعالى وبالدین، فالسؤال هو: هل یوافق الإسلام أساساًـ على هذا الرأی؟ الإسلام یرى أنّ الخطوة الاُولى التی خطاها الأنبیاء كافّة والأصل المهمّ الذی ارتكزوا علیه هو عبادة الله الواحد؛ فالقرآن یقول: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُون‏»2؛ بمعنى أنّ السعادة الأبدیّة التی خُلق الإنسان من أجلها لا یمكن تحقّقها إلاّ عن طریق عبادة الله الواحد. فإن قبلنا بهذا الأصل فسوف نفهم أنّ معظم هذه الآراء لیس لها جذور إسلامیّة وهی من بصمات تغلغل الثقافات المعادیة.
قد یقال أحیاناً اخرى: «لقد ولّى زمن التبلیغ للإسلام أو لأیّ دین آخر وإنّه یتعیّن علینا أن نبلّغ للقیم الإنسانیّة العلیا!»، وهذا هو نفس الطراز الفكریّ الفائت الذكر «الأخلاق من دون الله» الذی كما أنّه باطل من الناحیة العقلیّة فهو لا ینسجم من الناحیة التطبیقیّة، بأیّ حال من الأحوالـ مع الاُسس الإسلامیّة. فالإسلام یقول: حتّى أفضل الأعمال فإنّها إن لم تُنجَز طاعةً لله فستتلاشى جمیعها فی الهواء كذرّات الغبار: «وَقَدِمْنَا إِلَى‏ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُوراً»3، فهل قصد القرآن یاترى هو جعل أعمال المشركین السیئة هباءً منثوراً؟ فالمشركون أنفسهم لا یرجون من أعمالهم الرذیلة خیراً؛ إذن المراد من هذا الكلام هو: انّنا جعلنا أعمالهم، التی یظنّون أنّها حسنة وأنّها موجبة لنجاتهم، هباءً منثوراً، والسبب هو انّها فارغة من روح عبادة الله ولا تنبع من الإیمان به عزّ وجلّ. ومن هذا المنطلق تؤكّد السیّدة الزهراء (سلام الله علیها) فی هذا المقطع على قضیّة الدین وعبادة الباری تبارك وتعالى وترى أنّ الأخطر من بین مهامّ النبیّ (صلّى الله علیه وآله) هی إزالة الشبهات التی تُطرح فی مجال التوحید.

الصراط المستقیم، ولیس انواع الصراط المستقیم

المسألة الثانیة التی تُعدّ أخطر من سابقتها هی: هل إنّ فی تعدّد الأدیان من ضرر؟ فوجود الأدیان المتعدّدة فی العالم هو واقع كان موجوداً فی زمان النبیّ وهو موجود فی زماننا أیضاً، وإن كان أوسع بكثیر وأكثر انتشاراً فی عصرنا الحاضر. فأتباع البوذیّة یشكّلون أكبر نسبة من سكّان العالم وهناك عدّة ملیارات من البشر لا یعبدون الله الواحد. ففی وضع كهذا كیف یمكن التعامل مع هؤلاء؟
هناك آراء ورؤى متغایرة حول طریقة التعامل مع أتباع الأدیان المختلفة. فنحن نعتقد أنّ الدین الحقّ هو واحد وهو الدین الذی بعث الله الأنبیاء به بحیث إنّ كلّ نبیّ كان واجب الطاعة فی زمانه. لكنّه ثمّة فی العالم اتّجاهات فكریّة اُخرى، والأمر المؤسف أنّ بعض مجدّدینا قد اهتمّوا بهذه التوجّهات وصاروا یروّجون لها أیضاً.
فالبعض یعتقد بأنّ الدین هو قضیّة ذوقیّة؛ فهم یقولون: إنّ معتقداتنا تنقسم، من جانب معیّن، إلى قسمین رئیسیّین؛ القسم الأوّل هو الواقعیّات العینیّة والخارجیّة التی لا یتعلّق وجودها بنا، وإنّ العلوم المختلفة تحاول التعرّف على تلك الواقعیّات. أمّا القسم الآخر فهو الاُمور التی تتْبَع أذواقنا ورغباتنا؛ ففی فنّ الرسم مثلاً هناك مدارس مختلفة، فالبعض ینتهج المدرسة العاشقة للطبیعة، التی یقول دعاتها: إنّنا نحاول أن نعكس ما یوجد فی الطبیعة فعلاً على لوحة الرسم. أمّا أتباع الفنّ الحدیث فیقولون: إنّ أفضل الفنون هی أن تخلق ما لا یوجد فی الواقع. وفی هذه الحالة لیس باستطاعتنا أن نقول لمتّبع أیّ من مدارس الرسم تلك: لماذا أنت تحبّ هذه المدرسة وتنتهج نهجها؟ فسوف یكون جوابه: هذا ذوقی الخاصّ وأنا أحبّ هذه المدرسة. فهذه المسائل تتْبَع ذوق الإنسان ولیس لها واقع، بالضبط كما أنّنا لا نستطیع أن نكتشف من خلال الصیغة العلمیّة أنّه هل على الإنسان أن یحبّ الطماطم أم لا.
یعتقد هؤلاء أنّ مقولة الدین هی من هذا القبیل أیضاً؛ بمعنى أنّ هناك أدیاناً مختلفة ولكلّ منها أتباع، فبعضهم قد أحبّ الإسلام فصار مسلماً، والبعض الآخر رغب بالمسیحیّة، فأصبح نصرانیّاً، ولا ینطوی ذلك على خطأ أو صواب، ولا نستطیع القول لأیّ من هؤلاء: إنّك مصیب فی قولك، أو: إنّ الآخر هو المحقّ فی مذهبه. فالاعتقاد بالله هو مثل الشِعر لیس له حقیقة كی یُطرح على طاولة البحث!
فبالنسبة لحاملی هذا الطراز من التفكیر لیس هناك معنىً لدین حقّ أو دین باطل. وعلى هذا الأساس ظهرت إلى الوجود مدرسة فلسفیّة تدعى المدرسة التعدّدیة التی تتشعّب إلى فروع متعدّدة، إذ أنّ لها مصادیق فی السیاسة وفی الدین وكذا فی معظم فروع المعارف البشریّة الاُخرى.
العجیب أنّه قبل بضع سنوات قامت الحكومة فی بلدنا بتخصیص میزانیّة من أجل تأسیس أحزاب. ومع أن الأحزاب فی العالم هی التی تجمع المال من أجل یحصل مرشّحها على كرسیّ فی البرلمان أو حقیبة وزاریّة، إلاّ أنّ هؤلاء السادة فی بلدنا قد خصّصوا میزانیّة لتأسیس الأحزاب تحت شعار التعدّدیة وتنوّع الأصوات. هذا هو المصداق السیاسیّ للتعدّدیة، لكنّهم یرون أنّ هذا الأمر مقبول وحسن حتّى بالنسبة إلى الدین، والتبریر المنطقیّ حسب تصوّرهمـ لذلك هو أنّه عندما تكون هناك أدیان مختلفة فسوف تتاح الفرصة لاختیار أفضل. لكنّ المُخبّأ خلف الستار كان شیئاً آخر، بل إنّهم عندما خصّصوا تلك المیزانیّة أعطوا لأحد الأحزاب مقداراً یفوق المیزانیّة المخصّصة لتشكیل كلّ الأحزاب الاُخرى، فقد كان كل هذا السیناریو من أجل تأمین میزانیّة الحزب المذكور من أموال الحكومة وبیت المال. وقد أطلقوا على هذه التعدّدیة مصطلح البلورالزم (pluralism)، أمّا كلامهم فمفاده: إنّ روح جمیع الأدیان تمتاز بالنزعة المعنویّة. لیس هذا فحسب بل لقد حاول البعض فی بلدنا، لبضع سنین خلت، أن یستبدل عبارة المعنویّات بالإسلام! وهذه الآراء یعود تاریخها إلى قرون مضت، وعلى وجه التحدید فی الزمن الذی تأسّست فیه الحركات الماسونیّة فی اوربّا. وممّا یؤسف له أنّ هذه النغمة تُسمع الیوم أیضاً من بعض المسؤولین الرسمیّین فی البلاد، فقد یقال أحیاناً: علینا أن لا نطرح سوى المُثُل والقیم التی یشترك فیها جمیع البشر كالاُخوّة، والمساواة، والحبّ، وما شاكلها، إذ لم یَعُد الحدیث عن عبادة الله، والإله الواحد، والإسلام، والتشیّع، وما إلى ذلك ذا أهمّیة تُذكر، وهذا یقترب إلى حدّ كبیر من الشعارات التی یطلقها الماسونیّون ودعاة مدرسة التعدّدیة الدینیّة. فیجدر بالإنسان أن یتعامل مع مثل هذه الأفكار بمزید من الحذر والاحتیاط، كی لا نكتشف بعد عدّة سنوات لا سمح اللهـ أنّ الأعداء قد جعلوا لهم موطئ قدم فی داخل أجهزتنا الحكومیّة! فمنطق الإسلام هو: إنّ الدین الحقّ واحد وإنّ كل ما عداه هو ضلال: «فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ»4.

الأخلاق الإنسانیّة هی محور التعامل مع سائر الأدیان

القضیّة الاُخرى فی هذا البحث هی كیفیّة التعامل مع الأدیان المختلفة والارتباط مع أتباعها؛ إذ أنّ البحث یحتوی على مسألتین: الاولى هی مسألة الاعتقاد والفكر، والثانیة هی مسألة العمل، ولابدّ من الفصل بین هاتین المرحلتین. فالإسلام لا یُقرّ الفكر الباطل بأیّ حال من الأحوال، حتّى لو كان بصورة المجاز. فهو حریص كلّ الحرص على الوقوف بوجه المجاز والهزل فی العقیدة كی لا یتحوّل شیئاً فشیئاً إلى الجدّ. هو یقول: اقطعوا دابر قول «نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ»5 من جذوره كی لا یأتی الیوم الذی تقولون فیه: لابدّ من الاعتقاد بأنّ عیسى هو ابن الله. فالإسلام لا یجیز بأیّ شكل من الأشكال أن تراودنی فكرة أنّه قد یكون هناك مبرّر لعبادة الأوثان على سبیل المثال. فلابدّ من تقویة عقائدنا الحقّة بالمبانی العقلیّة بحیث نجعل فی قلوبنا وعقائدنا وأفكارنا حاجزاً فولاذیّاً بین فكر التوحید وفكر الشرك كی لا یخطر حتّى خیال الشرك فی أذهاننا.
أمّا من ناحیة العمل فیتحتّم علینا أن نتحلّى بمنتهى الأخلاق الإنسانیّة مع جمیع سكّان العالم، اللهمّ إلاّ الذین یسعون جهاراً لمحو الإسلام ویعدّون العدّة لمعاداة الدین الحقّ. بل إنّ على الدولة الإسلامیّة أیضاً أن تعطی مقداراً من الزكاة للكفّار الذین یُرجى میلهم إلى الإسلام، إذ أنّه من هذا الطریق یمكننا جذب جماعة منهم إلى الدین الإسلامیّ. فإن نحن لم نتحلّ بهذه الصفات على صعید العمل فمَن الذی سیرغب فی اعتناق الإسلام؟ إذن لابدّ من الفصل بین هاتین القضیّتین، وهذا هو منطقنا حتّى فی التعامل مع الفرق الإسلامیّة الاُخرى. فبالنسبة لنا كما أنّ محبّة أهل البیت (علیهم السلام) مهمّة، فإنّ التبرّی من أعداء الإسلام یوازیها فی الأهمّیة؛ غیر أنّ أئمّتنا یوصوننا بأن: عاشروهم، وصلّوا فی الصفّ الأوّل من جماعتهم، وعودوهم إذا مرضوا، واشهدوا تشییع جنائزهم، وافعلوا لهم ما وسعكم من فعل الخیر كی تؤلّفوا قلوبهم: «عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعلیهم، وصلّوا معهم فی مساجدهم...»؛ إذ أنّ بعض التصرّفات توجب العداوة. فهل من الفخر والمهارة أن یفعل المسلم ما یُبعّد الآخرین عن حقیقة الإسلام؟! فلیس هذا التصرّف من العقل فی شیء. بالطبع هذا لا یعنی أن نعتقد بقداسة من یقدّسونهم كما یعتقدون هم بذلك. فالإسلام یقول فی مقام البحث والاحتجاج مع أهل الكتاب: «قُلْ یَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى‏ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَیْنَنَا وَبَیْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَیْئاً»6؛ أی هلمّوا نستهلّ البحث من الموضع الذی نقول نحن وتقولون أنتم: لابدّ من عبادة الله الواحد، تعالوا لتتأكّد ماهی لوازم هذا الاعتقاد؟ فإذا كان من الواجب أن نعبد إلهاً واحداً إذن یجب أن لا نعتقد بأرباب آخرین معه؛ فلا یمكن القول بأنّ الله الواحد له ولد! إذن تعالوا نشرع فی البحث من هذه النقطة مع مراعاة الاحترام والأدب. ثمّ حاولوا الاستمرار فی البحث إلى أن تثبتوا لهم حقّانیة دینكم وبطلان معتقدهم. فهل معنى الآیة یاترى أنّكم أیّها المسلمون علیكم الشكّ فی دینكم؟ هل یتعیّن أن یُقال: القرآن أیضاً قابل للنقد! ثمّ ندعی بعدها الإسلام والمعرفة بالإسلام؟!
لقد فصل عظماؤنا على طول التاریخ الإسلامیّ بین هاتین المسألتین بشكل كامل. ففی مقام البحث كانوا یُعمِلون غایة الدقّة ولم یكونوا یتغاضون حتّى عن حدیث واحد فی سبیل إثبات الحقّ؛ لكنّهم فی مقام العمل كانوا یعاشرون الآخرین بمنتهى الودّ والحفاوة بل ویكاتبونهم أیضاً.

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. سورة النحل، الآیة 36.

2. سورة الذاریات، الآیة 56.

3. سورة الفرقان، الآیة 23.

4. سورة یونس، الآیة 32.

5. سورة المائدة، الآیة 18.

6. سورة آل عمران، الآیة 64.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...