صوت و فیلم

صوت:
,

فهرست مطالب

الجلسة الثالثة والثلاثون: الوفاء بالعهد، سلّم التكامل

تاریخ: 
چهارشنبه, 5 آبان, 1389

بسم الله الرحمـٰن الرحیم

هذا الذی بین أیدیكم هو عصارة لمحاضرة سماحة آیة الله مصباح الیزدیّ (دامت بركاته) ألقاها فی مكتب سماحة ولیّ أمر المسلمین بتاریخ 10 تشرین الثانی 2010م نقدّمها من أجل أن تزید توجیهات سماحته من بصیرتنا وتكون نبراساً ینیر لنا درب هدایتنا وسعادتنا.

الوفاء بالعهد، سلّم التكامل

«... وَالْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِیضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِیَةَ الْمَكَایِیلِ وَالْمَوَازِینِ تَغْیِیراً لِلْبَخْس»1
وصلنا فی شرحنا للخطبة الفدكیّة إلى حیث قالت مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها): «وَالْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِیضاً لِلْمَغْفِرَةِ ، وَتَوْفِیَةَ الْمَكَایِیلِ وَالْمَوَازِینِ تَغْیِیراً لِلْبَخْس»، إذ تشیر (علیها السلام) فی هذا المقطع إلى ضرورة الوفاء بالنذر وكذا إلى اتّباع الطرق السویّة فی البیع فی مقابل التطفیف فی المكیال والمیزان متعرّضة إلى بیان الحكمة من تشریع هذین الحُكمین. وتوضیحاً لهاتین الجملتین لا بأس بعرض مقدّمة موجزة.

ضرورة الحیاة الاجتماعیّة

إنّ العلّة فی الارتباط عن وعی لأیّ موجودین ذوَی شعور هی كسب المنفعة، وتحقّق المصلحة، ونیل الكمال لكلیهما أو على الأقلّ لأحدهما. ومن أبرز الأمثلة على ذلك هو ما یحصل بین البشر من علاقات اجتماعیّة تتحقّق فی ظلّها الحیاة المدنیّة والاجتماعیّة. فالحیاة الاجتماعیّة تعود على الناس ببركات مادّیة ومعنویّة كثیرة، ولولا هذا النمط من الحیاة ولو أنّ البشر حبّذوا العیش بشكل منفرد فلن تتحقّق أیّ واحدة من تلك المنافع والمصالح. ویكفی من أجل الوقوف على هذه المنافع أن یستعرض الإنسان حیاته بشكل إجمالیّ. فمنذ اللحظة الاولى من حیاة الإنسان وحتّى آخر عمره فإنّه یكون فی حال إفادةٍ مستمرّة من وجود الآخرین؛ فإمّا أن یتعلّم منهم شیئاً، أو یلمّ به مرض فیحتاج إلى مراجعة طبیب، أو یتبادل مع الآخرین ما یحتاجه من متطلّبات معیشته، ...الخ. وكذا فإنّ المرء یحصل من حیاته هذه على منافع معنویّة جمّة أیضاً؛ فلولا عیش الإنسان بشكل اجتماعیّ لما عرف الدین وتعلّم أحكامه، ولما ارتقى فی سلّم المعنویّات تبعاً لذلك، ولضاعت علیه آخرته. إذن فإنّها الحیاة الاجتماعیّة التی توفّر للإنسان منافع الدنیا من جهة، وتهبه خیرات الآخرة من جهة اُخرى. ومن ذلك ندرك أنّ الإنسان مضطرّ لتشكیل علاقات مع الآخرین.

الواقعیّات هی جذور القیم

بعد أن اعتقدنا بضرروة الحیاة الاجتماعیّة لابدّ أن نعلم أنّ الركن الأساسیّ لهذه الحیاة هو تأمین منافع موجودَین ذوَی شعور قد شكّلا علاقة تجمعهما، حیث لولا هذا الارتباط وتبادل المنفعة فلن تصمد الحیاة الاجتماعیّة. وعلى هذا الأساس تنشأ سلسلة من القیم الاجتماعیّة التی ندركها جمیعاً؛ لكنّنا فی الأعمّ الأغلب لا نلتفت إلى سرّ نشوء هذه القیم. فقد نتصوّر أحیاناً أنّ القیم هی اُمور عقلیّة وبدیهیّة؛ فنتخیّل أنّ حُسن الصدق، والعدل، وما إلى ذلك من القیم هو بسبب إدارك العقل البشریّ لحسنها بشكل بدیهیّ. بل وقد یقال أحیاناً: «إنّ إدراك حُسن هذه الامور فطریّ» وعادة ما تُساق مثل هذه التعابیر. لكن لعلّ السرّ من وراء ظهور كلّ هذه القیم هو أنّها ممّا یؤَمّن مصالح الناس، وحسنها ینبع من أنّها إذا لم تُراعَ فستتعرّض مصالح البشر للخطر. وحسب ما یصطلح علیه طلبة العلوم الدینیّة فإنّها سلسلة من الآراء المحمودة المبنیّة على سلسلة من الواقعیّات الحقیقیّة وهذه الحقائق تشكّل روح تلك القیم. ووفقاً للاصطلاح الفقهیّ فإنّ الأحكام تتبع المصالح والمفاسد.

الوفاء بالعهد، أكثر القیم عمومیّة

الركن الذی تُبنى علیه الحیاة الاجتماعیّة المدنیّة أو یتحقّق معه التحضّر یتمثّل بمجموعة من عهود ومواثیق یلتزم بها أفراد المجتمع فیما بینهم. فهم ینظّمون أعمالههم وفقاً لعقود، وهذه العقود إمّا أن تكون لفظیّة أو مكتوبة، وإمّا أن تكون غیر مكتوبة، لكنّ جمیع العقلاء یعلمون - بما اُوتوا من ذوق عقلائیّ - أنّه لابدّ من العمل بموجبها من أجل استمرار الحیاة الاجتماعیّة. فعندما یقوم بضعة أشخاص بتبادل بعض السلع من أجل تلبیة حاجاتهم فلابدّ أن یقیموا للوفاء بما تعهّدوا به وزناً وقیمة. فإذا بنى كلّ واحد منهم أمره على خداع  الآخر فلن تدوم الحیاة الاجتماعیّة وستتلاشى. فالذی یقول: «بعتُك»، فهو یعنی: سلّمتُك السلعة سالمة من كلّ عیب، والذی یقول: «اشتریتُ منك» فهو یعنی: إنّنی أدفع لك الثمن كاملاً طبقاً للعقد الذی بیننا. فإذا كان فی نیّة البائع - مثلاً - تسلیم تسعمائة غرام بدلاً من كیلو غرام واحد، أو كان المشتری ینوی الإنقاص من قیمة المبیع فسوف یؤدّی ذلك إلى المشاجرة بینهما وتؤول الاُمور إلى الهرج والمرج ممّا لا یتیح للحیاة الاجتماعیّة بالاستمرار. فإنّ أكثر العوامل أصالة وعمومیّة فی الحیاة الاجتماعیّة هو التزام الناس بعقودهم ووفاؤهم بعهودهم، بل إنّ مراعاة هذه القیمة واجبة حتّى مع الكفّار والأعداء.
فمن مصادیق هذا العهد هو أداء الأمانة. فقد أولى الإسلام هذه المسألة بالغ الأهمیّة حتّى إنّ الإمام السجّاد (علیه السلام) یقول: «علیكم بأداء الأمانة فَوَالذی بعث محمّداً بالحقّ نبیّاً لو أنّ قاتل أبی الحسین بن علیّ بن أبی طالب (علیهما السلام) ائتمننی على السیف الذی قتله به لأدّیته إلیه»2. فقوام الحیاة الاجتماعیّة بالعهود، وإنّ نقْضَنا لما أبرمناه مع الآخرین من عهود یجرّ إلى تزلزل دعائم حیاتنا الاجتماعیّة، وهو الأمر الذی یجعلنا نجنی فی المستقبل وبال ما زرعته أیدینا.

التجارة مع الله

العلاقة التی تنشأ نتیجة العقد المتبادل قد تتخطّى أحیاناً حدّ العلاقة التی تربط الناس ببعضهم لتصل إلى مستوى العلاقة التی تربط الإنسان مع ربّه. فالمفاهیم التی نستخدمها فی حقل الأخلاق والحقوق وأمثال ذلك تتولّد فی بادئ الأمر بین الناس، لكنّنا نجرّدها ونوسّعها فیما بعد لتُستخدم فیما یختصّ بالله وأولیائه أو بملائكته. فالله عزّ وجلّ یقول فی كتابه العزیز: «إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ»3؛ أی إنّنی اُتاجر مع عبادی فأشتری منهم أنفسهم وأموالهم فی مقابل الجنّة ثمناً لذلك. ومن الواضح أنّ الله لیس بحاجة إلینا كی یبرم معنا عقداً لنقدّم له شیئاً بموجبه؛ لكن من أجل أن یشقّ الله عزّ وجلّ لنا طریقاً إلى التربیة والكمال، فإنّه یضع نفسه موضع الموجود الذی یتاجر مع الإنسان. أو یقول تعالى: «یَا أَیُّهَا الَّذِینَ ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمُ‏ْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِیكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ»4. فما هی تلك التجارة؟ یجیب تعالى بالقول: «تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ»5. فالله سبحانه وتعالى یستخدم هذه المفاهیم لیحیی فینا الدافع لفعل الخیر كی نكون من المستحقّین لرحمته. ففی هذه الآیة الكریمة یضع الله جلّ شأنه نفسه موضع المشتری الراغب فیقول: «من منكم یبیعنی نفسه وماله»؟
لكن قد ینعكس الوضع أحیاناً ونكون نحن البادئین بالتعهّد. وثمّة لهذا التعهّد أنواع تحمل مفاهیم متشابهة ألا وهی: العهد، والقَسَم، والنذر. فكم هو قبیح أن نعاهد أحداً ثمّ ننكث عهدنا معه ونخلفه؟ فنحن بذلك نكون قد دسنا بأقدامنا على أكثر القیم الاجتماعیّة عمومیّة ووضوحاً وعلى أفضل القیم العقلیّة. وإنّنا - فی الحقیقة - قمنا بالمعاملة ثم ألحقناها بالغشّ. إذن هو عمل شدید القبح لكنّه - على أیّة حال - شكل من أشكال المعاملة المتبادلة بین طرفین من نفس المستوى، فهو أیضاً یستطیع أن یقابلنا بالمثل ویُنزِل بنا ما أنزلنا به؛ إذ كما أنّنا بحاجة إلیه فهو بحاجة إلینا أیضاً. لكنّ الله سبحانه وتعالى یُنزِل نفسه منزلتنا ویستخدم، من أجل توثیق العلاقة معنا، مفاهیم بشریّة كی یقودنا إلى حیث الكمال ومراعاة القیم لنحظى عن هذا الطریق باستحقاق نیل رحمته وثوابه. فإذا عمدنا – والحال هذه – إلى التحایل علیه سبحانه وخداعه، فسیتضاعف قبح عملنا مئات الأضعاف بل آلافها. فحینما یروم المرء خداع شخص آخر فهو یحاول فعل ذلك خلسة لئلا یعلم المقابل بذلك، فإنْ علم كان ذلك مدعاة لخجل الشخص المخادع وحیائه. فكیف بالله المتعال وهو الخبیر ببواطننا والعلیم بأعمالنا أكثر منّا! لهذا فإنْ أنا أبرمتُ مع ربّ ومولىً - لانهایة لعظمته - عقداً وعهداً مفاده: إنّك إذا فعلت لی الفعل الفلانیّ فساُنجز أنا العمل الكذائیّ، لكنّنی كنت اُبیّت نیّة الغشّ والتحایل أو إنّنی تساهلت فیما بعد فی الوفاء بما وعدته به، فذلك غایة فی القبح وإنّنی أكون – فی الواقع – قد دست على حظّی وسعادتی بفعلتی هذه. ومن هنا فإنّ خیانة الله تعالى هی أشدّ قبحاً من نكث الناس للعهود التی تعاهدوا بها فیما بینهم.
العبارتان اللتان ذكرتهما مولاتنا الزهراء (سلام الله علیها) ترتبطان بهذا الأصل العامّ. فالعبارة الاولى هی الوفاء بالنذر. فالنذر المشروط هو أن اُبرم مع الله عزّ وجلّ عقداً بأنّه: إذا قُضیتْ حاجتی فإنّنی  سأصوم ثلاثة أیّام، مثلاً. فإذا لم یلتزم الناذر بما تعهّد به فلن یغضّ الله تعالى النظر عن هذه الخیانة؛ ذلك أنّ الله تبارك وتعالى قد بنى أمره إمّا على أن یوفّر لنا أرضیّة السموّ والترقّی كی نظفر باستحقاق ثوابه، أو أن نهبط بأنفسنا بسوء اختیارنا فنكون مستحقّین لعقابه. فالإنسان هو ذلك الموجود الذی أعطاه الله كامل الاختیار؛ فإمّا أن یختار سبیل السموّ والرفعة، أو ینتخب طریق الانحطاط والسقوط. وبناء على ما تقدّم فإنّ على الله أن یوفّر الأرضیّة والمناخ المناسبین كی نقوم نحن بالاختیار.

النفاق ثمرة نكث العهد

أوّل عقوبة یعاقب الله تعالى بها الإنسان جرّاء نقضه لمثل هذه العهود هی أن یجعل إیمانه ضعیفاً، أو یبتلیه – حسب التعبیر القرآنیّ – بالنفاق. ولعلّ هذه هی أشدّ عقوبة یمكن إنزالها بالإنسان؛ ذلك أنّ الإیمان هو أنفَسُ جوهرة لدى الإنسان؛ إذ أنّ بمقدور الإیمان رفع ابن آدم إلى حیث عرش الرحمٰن. فإن سُلب منه الإیمان، فسیصبح أنزل من أیّ وضیع. والقرآن الكریم یشیر إلى هذا المبحث بصراحة بالقول: «وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ ءَاتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِینَ * فَلَمَّا ءَاتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِی قُلُوبِهِمْ إِلَى یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ یَكْذِبُون»6. إذن فالنفاق الذی تذكره الآیة لیس هو نفاقَ ساعةٍ، بل إنّه سیبقى فی قلوبهم إلى یوم القیامة. لماذا؟ لأنّهم أخلفوا الوعد مع الله. وأمّا إذا وفى المرء بعهده مع ربّه وعمل بموجبه فإنّه سیُثاب علیه؛ أی: مضافاً إلى ما سیناله من سعة فی الرزق فإنّه إذا وفى بعهده مع الله وتصدّق فسوف یثاب على تصدّقه أیضاً. فأمثال هؤلاء سیعطَون - عوضاً عن النفاق - نوراً فی قلوبهم، واستحقاقاً للمغفرة وتكامل الإیمان.

أوامر الله، هی ألطافه

كلّنا یفهم بما اُعطی من قریحة العقلاء أنّ على الأنسان أن یفی بما تعهّد به لأیّ أحد كان. وكلّما زادت أهمّیة الطرف المتعاقَد معه تحتَّم على الإنسان إعطاء القضیّة أهمّیة أكبر. وبناء على ذلك فإن كان الطرف المتعاقَد معه هو الله عزّ وجلّ فلن یكون للاهتمام بهذا الأمر من حدّ یحدّه، ولذا یتعیّن إعطاءَه أقصى درجة من الأهمّیة. فإنّ شدّة قبح نقض العهد مع الله عزّ وجلّ توازی ما لله من عظمة، لأنّ العقل یعلم هذا المقدار وهو أنّ الله یستطیع أن یؤاخذنا یوم القیامة بهذا العقل نفسه، لكنّ الله تعالى لم یكتف بذلك، بل إنّه، بدافع رحمته التی لا نهایة لها ومن أجل أن یستنهض فی أنفسنا حافزاً أكبر للعمل بمدركات عقولنا، فإنّه أصدر حكماً شرعیّاً بهذا الخصوص فقال: «الوفاء بالنذر واجب شرعیّ». وبهذه الطریقة فإنّه جلّ شأنه یحفّز فینا دافعاً أكبر للعمل من جانب، ویمهّد لنا الأرضیّة لاستحقاق رحمة لا مثیل لها من جانب آخر، وهی تلك الرحمة التی تُستحصل فی ظلّ الامتثال لأوامره.
تقول فاطمة الزهراء (علیها السلام): «وَالْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ تَعْرِیضاً لِلْمَغْفِرَةِ»؛ أی إنّ الله عزّ وجلّ قد أوجب علیكم الوفاء بالنذر كی یجعلكم عرضة لمغفرته. فحتّى لو لم یوجب الله علینا الوفاء بالنذر لكُنّا أدركنا بعقولنا أنّه یتعیّن علینا القیام بذلك؛ ولكن من أجل أن یمهّد الباری عزّ وجلّ لنا الأرضیّة للمزید من غفران الذنوب، ونیل الكمالات، والقرب منه، والفوز بمحبتّه فإنّه قد أوجب علینا الوفاء بالنذر فی إطار تكلیف شرعیّ.
ثمّ تقول الزهراء (سلام الله علیها) أیضاً: «وَتَوْفِیَةَ الْمَكَایِیلِ وَالْمَوَازِینِ تَغْیِیراً لِلْبَخْس». وقد ذكرنا أنّ الإنسان إذا لم یلتزم بعهوده فی المعاملات ولجأ إلى التطفیف فی المیزان والغشّ فی التجارة فسیكون موضع ذمّ جمیع العقلاء وسیعدّون عمله هذا قبیحاً. لكنّه مضافاً إلى القبح العقلیّ لعملیّة التطفیف فإنّ الله عزّ وجلّ قد حرّمه شرعاً وأنزل فی بضعة مواطن من كتابه العزیز آیات فی ذمّ التطفیف وإنقاص المكیال والمیزان. ولشیوع هذه الظاهرة بین الناس فی عهد نبیّ الله شعیب (على نبیّنا وآله وعلیه السلام) فقد تصدّرت قائمة تعالیمه (علیه السلام) مسألة عدم إنقاص المكیال ووزن السلع فی موازین دقیقة؛ إذ یقول عزّ من قائل: «وَإِلَى مَدْیَنَ أَخَاهُمْ شُعَیْباً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَیرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَیِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَیْلَ وَالْمِیزَانَ وَلا تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْیَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُواْ فِی الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَالِكُمْ خَیْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِینَ»7. فالله جلّ وعلا یوصی شعیباً (علیه السلام) بأن یأمر قومه بأن لا یطفّفوا فی المیزان وأن لا ینقصوا المكیال فإنّ ذلك من شأنه أن یهدم كیان المجتمع ویسلب ثقة بعض أفراده بالبعض الآخر، ویدفع اقتصاده إلى الفوضى والتخبّط. فإنّ استخدامكم للموازین الدقیقة فی معاملات بیعكم هو خیر لكم.
فعقولنا تدرك هذا المعنى، لكنّه علاوة على حكم العقل هذا فقد عمد الباری تعالى إلى تحریم التطفیف فی المیزان فی الشریعة بقوله: ناهیكم عن الأضرار الدنیویّة فإنّ ارتكاب مثل هذا الذنب یستوجب عقاباً اُخرویّاً، وذلك من أجل أن یثیر فینا دافعاً أكبر لمراعاة هذه القیمة الاجتماعیّة السامیّة ویجعلنا مستحقّین للثواب فی ضوء طاعة الله تبارك وتعالى.

وفّقنا الله وإیّاكم إن شاء الله


1. بحار الأنوار، ج29، ص223.

2. الأمالی للصدوق، المجلس 43، ص246.

3. سورة التوبة، الآیة 111.

4. سورة الصف، الآیة 10.

5. سورة الصف، الآیة 11.

6. سورة التوبة، الآیات 75 – 77.

7. سورة الأعراف، الآیة 85.

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...